سورة الأنعام - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


قوله تعالى: {قل أرأيتم} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين: {إن أخذ الله سمعكم} يعني الذي تسمعون به فأصمكم حتى لا تسمعوا شيئاً {وأبصاركم} يعني وأخذ أبصاركم التي تبصرون بها فأعماكم حتى لا تبصروا شيئاً أصلاً {وختم على قلوبكم} يعني لا تفقهوا شيئاً أصلاً ولا تعرفوا شيئاً مما تعرفون من أمور الدنيا. وإنما ذكر هذه الأعضاء الثلاثة، لأنها أشرف أعضاء الإنسان فإذا تعطلت هذه الأعضاء، اختل نظام الإنسان وفسد أمره وبطلت مصالحه في الدين والدنيا. ومقصود هذا الكلام ذكر ما يدل على وجود الصانع الحكيم المختار وتقريره أن القادر على إيجاد هذه الأعضاء وأخذها هو الله تعالى المستحق للعبادة لا الأصنام التي تعبد ونها وهو قوله تعالى: {من إله غير الله يأتيكم به} يعني يأتيكم بما أخذ الله منكم لأن الضمير في به يعود على معنى الفعل ويجوز أن يعود على السمع الذي ذكر أولاً ويندرج تحته غيره {انظر} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويدخل معه غيره أن انظر يا محمد {كيف نصرف الآيات} يعني كيف نبين لهم العلامات الدالة على التوحيد والنبوة {ثم هم يصدفون} يعني يعرضون عنها مكذبين لها {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة} يعني فجأة {أو جهرة} يعني معاينة ترونه عند نزوله، وقال ابن عباس ليلاً أو نهاراً {هل يهلك إلا القوم الظالمون} يعني المشركين لأنهم ظلموا أنفسهم بالشرك.
قوله عز وجل: {وما نرسل المرسلين إلا بمشرين} يعني لمن آمن بالثواب {ومنذرين} يعني لمن أقام على كفره بالعقاب والمعنى ليس في إرسالهم أن يأتوا الناس بما يقترحون عليهم من الآيات إنما أرسلوا بالبشارة والنذارة {فمن آمن وأصلح} يعني آمن بهم وأصلح العمل لله {فلا خوف عليهم} يعني حين يخاف أهل النار {ولا هم يحزنون} أي إذا حزن غيرهم {والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب} يعني يصيبهم العذاب {بما كانوا يفسقون} يعني بسبب ما كانوا يكفرون ويخرجون عن الطاعة.
قوله تعالى: {قل لا أقول لكم} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني: قل يا محمد لهؤلاء المشركين لا أقول لكم {عندي خزائن الله} نزلت حين اقترحوا عليه الآيات فأمره الله تعالى أن يقول لهم إنما بعثت بشيراً ونذيراً ولا أقول لكم عندي خزائن الله جمع خزانة وهي اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء وخزن الشيء إحرازه بحيث لا تناله الأيدي والمعنى ليس عندي خزائن رزق الله فأعطيكم منها ما تريدون لأنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت رسولاً من الله فاطلب منه أن يوسع علينا عيشنا ويغني فقرنا فأخبر أن ذلك بيد الله لا بيدي {ولا أعلم الغيب} يعني فأخبركم بما مضى وما سيقع في المستقبل، وذلك أنهم قالوا له: أخبرنا بمصالحنا ومضارنا في المستقبل حتى نستعد لتحصيل المصالح ودفع المضار، فأجابهم بقوله: {ولا أعلم الغيب} فأخبركم بما تريدون {ولا أقول لكم إني ملك} وذلك أنهم قالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويتزوج النساء؟ فأجابهم بقوله: {ولا أقول لكم إني ملك} لأن الملك يقدر على ما لا يقدر عليه البشر ويشاهد ما لا يشاهدون فلست أقول شيئاً من ذلك ولا أدّعيه فتنكرون قولي وتجحدون أمري.
وإنما نفي عن نفسه الشريفة هذه الأشياء تواضعاً لله تعالى واعترافاً له بالعبودية وأن لا يقترحوا عليه الآيات العظام {إن أتبع إلا ما يوحى إلي} يعني ما أخبركم إلا بوحي من الله أنزله عليّ ومعنى الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمهم أنه لا يملك خزائن الله التي منها يرزق ويعطي وأنه لا يعلم الغيب فيخبر بما كان وما سيكون وأنه ليس بملك حتى يطلع على ما لا يطلع عليه البشر إنما يتبع ما يوحى إليه من ربه عز وجل فما أخبر عنه من غيب بوحي الله إليه وظاهر الآية يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يجتهد في شيء من الأحكام بل جميع أوامره ونواهيه إنما كانت بوحي من الله إليه {قل هل يستوي الأعمى والبصير} يعني: المؤمن والكافر والضال والمهتدي والعالم والجاهل {أفلا تتفكرون} يعني أنهما لا يستويان.
قوله عز وجل: {وأنذر به} يعني وخوف بالقرآن والإنذار إعلام مع تخويف {الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم}.
قال ابن عباس: يريد المؤمنين لأنهم يخافون يوم القيامة وما فيه من شدة الأهوال. وقيل: معنى يخافون يعلمون والمراد بهم كل معترف بالبعث من مسلم وكتابي وإنما خص الذين يخافون الحشر بالذكر دون غيرهم وإن كان إنذاره صلى الله عليه وسلم لجميع الخلائق لأن الحجة عليهم أوكد من غيرهم لاعترافهم بصحة المعاد والحشر. وقيل: المراد بهم الكفار لأنهم لا يعتقدون صحة ولذلك قال: يخافون أن يحشروا إلى ربهم، وقيل: المراد بالإنذار جمع الخلائق فيدخل فيه كل مؤمن معترف بالحشر وكل كافر منكر له لأنه ليس أحد إلا وهو يخاف الحشر سواء اعتقد وقوعه أو كان يشكّ فيه ولأن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وإنذاره لجميع الخلق {ليس لهم من دونه} يعني من دون الله {ولي} أي قريب ينفعهم {ولا شفيع} يعني يشفع لهم ثم إن فسرنا الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم أن المراد بهم الكفار فلا إشكال فيه لقوله تعالى: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} وإن فسرنا الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم أن المراد بهم المؤمنون ففيه إشكال، لأنه قد ثبت بصحيح النقل شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم للمذنبين من أمته وكذلك تشفع الملائكة والأنبياء والمؤمنون بعضهم لبعض والجواب عن هذا الإشكال أن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله لقوله عز وجل: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} وإذا كانت الشفاعة بإذن الله صح قوله: {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} يعني حتى يأذن الله لهم في الشفاعة فإذا أذن فيها كان للمؤمنين ولي وشفيع {لعلهم يتقون} يعني ما نهيتم عنه.


قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} قال سلمان وخباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري وهما من المؤلفة قلوبهم فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع صهيب وبلال وعمار وخباب في نفر في ضعفاء المؤمنين فلما رأوهم حوله، حقّروهم فأتوه فقالوا: يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم وكانت عليهم جباب صوف لها رائحة ليس عليهم غيرها لجالسناك وأخذنا عنك فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أنا بطارد المؤمنين» قالوا: فإنا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف به العرب فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا فإذا نحن فرغنا فأقعدهم إن شئت. قال: نعم. قالوا فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً. قال: فأتى بالصحيفة ودعا علياً ليكتب. قال: ونحن قعود في ناحية إذا نزل جبريل عليه السلام بقوله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} إلى قوله: {أليس الله بأعلم الشاكرين} فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ثم دعانا فأتيناه وهو يقول سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تبارك وتعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} الآية فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد ذلك وندنو منه حتى كانت ركبنا تمس ركبته فإذا بلغ الساعة التي يريد أن يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم وقال لنا «الحمد الله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات».
وروي عن سعد بن أبي وقاص قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترؤون علينا. قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هزيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} أخرجه مسلم.
وقال الكلبي: قالوا له، يعني أشراف قريش، اجعل لنا يوماً ولهم يوماً. قال: لا أفعل. قالوا: فاجعل المجلس واحداً وأقبل علينا وولَِّ ظهرك إليهم. فأنزل الله هذه الآية. وقال مجاهد: قالت قريش لولا بلال وابن أم عبد يعني ابن مسعود لبايعناك فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال ابن مسعود: مر ملأ من قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين فقالوا: يا محمد رضيت بهؤلاء بدلاً من قومك هؤلاء الذين مَنَّ الله عليهم من بيننا أنحن نكون تبعاً لهؤلاء اطردهم فلعلك إن طردتهم أن نتبعك فنزلت هذه الآية.
وقال عكرمة: جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدي والحارث بن نوفل في أشراف بني عبد مناف من أهل الكفر إلى أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا طالب لو أن ابن أخيك محمداً يطرد عنه موالينا وحلفاءنا فإنهم عبيدنا وعسفاءنا، كان أعظم في صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقنا له فأتى أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بالذي كلموه به فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت ذلك حتى ننظر ماالذي يريدون وإلى ماذا يصيرون فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم قوله أليس الله بأعلم بالشاكرين} فجاء عمر فاعتذر من مقالته. قلت بين هذه الروايات الرواية الأولى التي عن سلمان وخباب بن الأرث فرق كثير وبعد عظيم، وهو أن إسلام سلمان كان بالمدينة، وكان إسلام المؤلفة قلوبهم بعد الفتح وسورة الأنعام مكية. والصحيح ما روي عن ابن مسعود والكلبي وعكرمة في ذلك، ويعضده حديث مسعد بن أبي وقاص المخرج في صحيح مسلم من أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء، يعني ضعفاء المسلمين، والله أعلم.
وأما معنى الآية فقوله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم. يعني: ولا تطرد هؤلاء الضعفاء ولا تبعدهم عن مجلسك لأجل ضعفهم وفقرهم. ثم وصفهم فقال تعالى الذي يدعون ربهم بالغداة والعشي يعني صلاة الصبح وصلاة العصر. ويروى عنه أن المراد منه الصلوات الخمس. وإنما ذكر هذين الوقتين تنبيهاً على شرفهما ولأنهم مواظبون عليهما مع بقية الصلوات، ولأن الصلوات تشتمل على القراءة والدعاء والذكر فعبر بالدعاء عن الصلاة لهذا المعنى. قال مجاهد: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاص فقال سعيد بن المسيب: ما أسرع الناس إلى هذا المجلس؟ فقال مجاهد: يتأولون قوله تعالى يدعون ربهم بالغداة والعشي قال أوفي هذا إنما هو في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن وقال ابن عباس إن ناساً من الفقراء كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال ناس من أشراف الناس نؤمن لك وإذا صلينا فأخِّر هؤلاء الذين معك فليصلوا خلفنا، وقيل: المراد منه حقيقة الدعاء والذكر والمعنى: أنهم كانوا يذكرون ربهم ويدعونه طرفي النهار يريدون وجهه يعني يطلبون بعبادتهم وطاعتهم وجه الله مخلصين في عبادتهم له. وقال ابن عباس: يطلبون ثواب الله تعالى: {ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء} يعني لا تكلف أمرهم ولا يكلفون أمرك.
وقيل: ما عليك حسابهم رزقهم فتملهم وتطردهم عنك ولا رزقك عليهم إنما الرازق لجميع الخلق هو الله تعالى فلا تطردهم عنك: {فتطردهم فتكون من الظالمين} يعني بطردهم عنك وعن مجلسك. فقوله: {فتطردهم} جواب النفي وهو قوله ما عليك من حسابهم من شيء وقوله: {فتكون من الظالمين} جواب النهي وهو قوله ولا تطرد الذين يدعون ربهم واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بهذه الآية فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم لما همَّ بطرد الفقراء عن مجلسه لأجل الأشراف عاتبه الله على ذلك ونهاه عن طردهم وذلك يقدح في العصمة وقوله فتطردهم فتكون من الظالمين والجواب عن هذا الاحتجاج أن النبي صلى الله عليه وسلم ما طردهم ولا همَّ بطردهم، لأجل استخفاف بهم والاستنكاف من فقرهم وإنما كان هذا الهم لمصلحة وهي التلطف بهؤلاء الأشراف في إدخالهم في الإسلام فكان ترجيح هذا الجانب أولى وهو اجتهاد منه فأعلمه الله تعالى أن إدناء هؤلاء الفقراء أولى الهمِّ بطردهم فقربهم منه وأدناهم. وأما قوله فتطردهم فتكون من الظالمين فإن الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه فيكون المعنى أن أولئك الفقراء الضعفاء يستحقون التعظيم والتقريب فلا تهم بطردهم عنك فتضع الشيء في غير موضعه فهو من باب ترك الألفضل والأولى لا من باب ترك الواجبات والله أعلم.


قوله عز وجل: {وكذلك فتنَّا بعضهم ببعض} يعني وكذلك ابتلينا الغني بالفقير، والفقير بالغني، والشريف بالوضيع، والوضيع بالشريف فكل أحد مبتلى بضده فكان ابتلاء الأغنياء فالشرفاء حسدهم لفقراء الصحابة على كونهم سبقوهم إلى الإسلام وتقدموا عليهم فامتنعوا من الدخول في الإسلام لذلك فكان فتنة وابتلاء لهم، وأما فتنة الفقراء بالأغنياء، فلما يرون من سعة رزقهم وخصب عيشهم فكان ذلك فتنة لهم {ليقولوا} يعني الأغنياء والشرفاء والرؤساء {أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا} يعني منَّ على الفقراء والضعفاء بالإسلام ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا اعتراض من الكفار على الله تعالى فأجابهم بقوله: {أليس الله بأعلم بالشاكرين} يعني أنه تعالى أعلم بخلقه وبأحوالهم وأعلم بالشاكرين من الكافرين: قوله تعالى: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم} قال عكرمة: نزلت في الذين نهى الله نبيه عن طردهم فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام.
وقال عطاء: نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وسالم بن أبي عبيدة ومصعب بن عمير وحمزة وجعفر وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر والأرقم بن أبي الأرقم وأبي سلمة بن عبد الأسد وقيل إن الآية على إطلاقها في كل مؤمن. وقيل: لما جاء عمر بن الخطاب واعتذر من مقالته التي تقدمت في رواية عكرمة وقال: ما أردت إلا الخير، نزلت وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم {كتب ربكم} يعني فرض ربكم وقضى ربكم {على نفسه الرحمة} وهذا يفيد الوجوب وسبب هذا أنه تعالى يتصرف في عباده كيف يشاء وأراد فأوجب على نفسه الرحمة على سبيل الفضل والكرم لأنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين: {أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة} قال مجاهد: كل من عمل ذنباً أو خطيئة فهو بها جاهل واختلفوا في سبب هذا الجهل فقيل لأنه جاهل بمقدار ما استحقه من العقاب وما فاته من الثواب. وقيل إنه وإن علم أن عاقبة ذلك السوء والفعل القبيح مذمومة إلا أنه آثر اللذة العاجلة على الخير الكثير الآجل ومن آثر القليل على الكثير فهو جاهل وقيل إنه لما فعل فعل الجهال نسب إلى الجهل وإن لم يكن جاهلاً: {ثم تاب من بعده} يعني من بعد ارتكابه ذلك السوء ورجع عنه {وأصلح} يعني أصلح العمل في المستقبل، وقيل أخلص توبته وندم على فعله {فأنه غفور} يعني لمن تاب من ذنوبه {رحيم} بعباده قال خالد بن دينار كنا إذا دخلنا على أبي العالية قال: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة} الآية. عن أبي سعيد الخدري قال: جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري وقارئ يقرأ علينا إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا فلما قام علينا رسل الله صلى الله عليه وسلم سكت القارئ فسلم ثم قال ما كنتم تصنعون؟ قلنا: يا رسول الله كان قارئ لنا يقرأ علينا وكنا نستمع إلى كتاب الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم» وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطنا ليعدل بنفسه فينا ثم قال بيده هكذا فتلحقوا وبرزت وجوههم، قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف منهم أحداً غيري. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك خمسمائة عام» أخرجه أبو داود.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9